التجمع الشيوعي الثوري
Mal_amal@mail.comالحوار المتمدن - العدد: 711 - 2004 / 1 / 12
إسبانيا خلال الثورة 1931-1937
اندلعت، منذ 60 سنة، الحرب الأهلية الإسبانية في يوليوز 1936، لكن ما يتم "نسيان" الإشارة إليه في كتب التاريخ أو خلال المناسبات الرسمية أنه كانت وراء هته الحرب الأهلية (و السبب في اندلاعها) خصوصا و قبل كل شيء، ثورة اجتماعية أصيلة قام بها الشعب.
تعطينا إسبانيا سنة 1936 وجها متناقضا، فمن جهة، وبحكم السيطرة الشبه مطلقة للكنيسة الكاثوليكية على المجتمع، كان هناك تخلف ثقافي كبير: فمن بين 23 مليون نسمة كان 12 مليون أميون !! ولا يكاد يتجاوز عدد الطلبة 35.000 في حين يصل عدد رجال الكنيسة ب 130.000 !! كان رجال الدين يمتلكون عدة أراضي، عقارات، أبناك و مناجم... من جهة أخرى، كانت في إسبانيا عدة صناعات عصرية و طبقة عاملة كبيرة (27% من السكان) منظمة في نقابات قوية و ممركزة في أكبر المراكز الصناعية في البلد (كاطالونيا، بلاد الباسك، مدريد، أستورياس). إسبانيا سنة 1936 كانت بلد الفوارق الاجتماعية و البؤس: 8 ملايين فقير، مليونا فلاح دون أرض. وبالتالي كانت مسألة إصلاح زراعي من أجل "امتلاك الأراضي لمن يزرعها" مسألة مركزية.
كانت البرجوازية الإسبانية ضعيفة جدا، و ذلك ما يفسر أن البلاد كانت عمليا تحت سيطرة رجال الدين الكاثوليك و فئة الضباط [1] و ملاكي الأراضي الكبار [2]. لا داعي للإشارة على أن إيديولوجيا هؤلاء "الأسياد" الجديرون بالفيودالية كانت مركبا من الأصولية الدينية و العنصرية و القومية و العداء الأولي للاشتراكية.
نفهم ببساطة أن الوضع كان "انفجاريا" و أن الصراع الطبقي سيؤدي، لا محالة، إلى مواجهة عنيفة ما بين الفلاحين الفقراء و العمال من جهة، ضد الطبقات السائدة من جهة أخرى.
النشأة
كانت الحرب الأهلية إذن كنتيجة لصيرورة ثورة ابتدأت منذ أوائل الثلاثينات، والتي عرفت عدة مراحل. ففي سنة 1930، بعد عشر سنوات من نظام دموي، وأمام استعصاء حل الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد بقسوة، قدم الدكتاتور بريمو دي ريفيرا Primo de RIVERA "استقالته" إلى الملك ألفونسو XIII Alphonso. و في سنة 1931، وبعد أول انتخابات ديمقراطية نسبيا تشهدها البلاد، تم إعلان الجمهورية بعد تنحي الملك. "استيقضت" الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء الذين كانت قد سحقتهم سنوات الديكتاتورية، فبدؤوا في خوض المعارك تلو الأخرى (إضرابات...إلخ) لأن المستفيدين من النظام القديم لا زالوا قائمين ينظرون غير راضين لسقوط الملكية و لل "فوضى" السائدة. في سنة 1934، وبعد مناورات سياسوية، دخلت الكنفدرالية الإسبانية لليمين المستقل CEDA [3]، حزب اليمين المتطرف، الحكومة وحاولت الإجهاز على المكاسب الهزيلة المنتزعة سنة 1931. فكان غضب العمال مباشرا. اندلعت إضرابات جماهيرية في كل مكان تقريبا. ففي منطقة أستورياس، وهي منطقة منجمية بشكل خاص، قام العمال (اشتراكيون، شيوعيون، فوضويون[4]) بإضراب انتفاضي و بالاستيلاء على السلطة خلال 15 يوما[5] ! لكن بقية البلاد لم تساير الانتفاضة مما أدى إلى سحق همجي للعمال، الذين ظلوا معزولين، من طرف فيالق كولونيل يدعى فرانكو أرسل هناك لاستتباب النظام مستعينا بنفس هته الجمهورية التي سحقها كذلك سنوات بعد ذلك. فكان القمع وحشيا: 5.000 قتيلا و 30.000 عاملا ألقوا في السجن.
كانت هذه الانتفاضة بمثابة "تدريب عام" للهبة الشعبية الحقيقية لسنة 1936 و التي سمحت للطبقة العاملة باستخلاص الدروس.
تشكلت الجبهة الشعبية، خلال انتخابات فبراير 1936، من القوى العمالية اليسارية الأساسية: الحزب الاشتراكي PSOE، الحزب الشيوعي PCE، نقابة الاتحاد العام للشغيلة UGT و حزب العمال للتوحيد الماركسي POUM. لكن احتوت هته الجبهة أيضا على أحزاب برجوازية و جمهورية "يسارية". لم تشارك الكنفدرالية الوطنية للعمال CNT، أهم منظمة فوضوية، و التي تضم أكثر من مليون فلاح و عامل، لم تشارك في الانتخابات رغم أنها لم تدعُ إلى المقاطعة. كان برنامج الجبهة الشعبية، بحكم تواجد أحزاب برجوازية، جد معتدل بحيث يغيب الحديث تماما عن تأميم الأراضي و لا حتى الأبناك، لاشيء بخصوص المستعمرات و لا عن الحكم الذاتي لبعض مناطق البلاد...
اكتسبت الجبهة الشعبية تعاطفا لأنها طالبت، على وجه الخصوص، بالعفو الشامل على المنتفضين سنة 1934 و إعادة إدماج الذين تم تسريحهم لأسباب سياسية إلى عملهم. في المقابل، تحالف اليمين و اليمين المتطرف كذلك و شكلوا "الجبهة الوطنية (..) التي ضمت الملكيين، الكنفدرالية الإسبانية لليمين المستقل CEDA و الفيالق الفاشية..
أيام يوليوز
كانت النتائج واضحة يوم 16 فبراير: انتصرت الجبهة الشعبية [6] ! و مع ذلك كان الوزراء الذين شكلوا أول حكومة الجبهة الشعبية كلهم من الأحزاب البرجوازية، أما بالنسبة للجماهير، فقد كان الفوز الانتخابي ضد اليمين بمثابة حافز لهم. كان البرنامج المعتدل أبعد ما يكون عن مستوى تطلعاتها، و بالتالي كانت تعتزم المضي إلى أكثر من ذلك. و هذا ما جعل آلاف المتظاهرين يقتحمون السجون و يحرروا المعتقين السياسيين لسنة 34 و ذلك حتى قبل أن يتم التصويت على قانون العفو. كما تم خوض اضرابات جماهيرية للمطالبة بالزيادة في الأجور و تحسين ظروف العمل. و احتل آلاف الفلاحين ضيعات كبار مالكي الأراضي، و في كل مكان في البلاد تعرضت الكنائس و الأديرة، رموز الاضطهاد الهمجي لرجال الدين، للإحراق. غداة الانتخابات، بدأت الرجعية تتنظم وسط قوات اليمين و اليمين المتطرف حيث قام كل من الفاشيين و رجال الشرطة و الجنود باغتيالات سياسية ضد مناضلي اليسار.
وسط الجيش، بدأ التآمر بشكل مكشوف من أجل القلب العنيف للجمهورية حيث قام بعض الجنرالات باتصالات مع الدكتاتوريات الفاشية لسالازار Salazar بالبرتغال وهتلر Hitler و موسوليني Mussolini الذين وعدوهم بالدعم السياسي و المادي. و بالفعل، كانت ستكون لثورة ظافرة باسبانيا تداعيات كبيرة على هته البلدان و من تم بقية أوروبا. رغم ذلك لم تتخذ حكومة الجمهورية البرجوازية أية إجراءات دفاعية رغم علمها بالمآمرة العسكرية.
خلال ليلة 16 و 17 يوليوز، تمرد جنود فرانكو، بالمغرب، ضد الجمهورية و اتجهوا نحو الشمال، فكانت بذلك الإشارة. تحرك العسكريون يومي 17 و 18 يوليوز في كل ثكنات شبه الجزيرة. فقط 10% من الضباط من بقوا أوفياء للجمهورية. لم توجه الحكومة المرتبكة أي نداء للشعب، حاولت عكس ذلك، في الكواليس، التفاوض مع الجنرالات المتمردين. و عبثا، ظلت قيادات أهم الأحزاب العمالية صامتة هي الأخرى...
و مع ذلك، أدى الانقلاب العسكري الذي كان من المفترض أن يَحُول دون قيام ثورة اجتماعية، أدى، عكس ذلك، إلى إيقادها. كانت بذلك واحدة من أروع الهبّات الجماهيرية في التاريخ حيث نزل مئات الآلاف من العمال إلى الشوارع و أعلنت نقابتي الاتحاد العام للشغل UGT و الكنفدرالية الوطنية للعمال CNT الإضراب العام. قامت مجموعات العمال بالتسلح قدر ما استطاعوا و استولوا يشجاعة على مخازن الأسلحة كما اقتحموا الثكنات و قاموا بتحييد العسكريين الانقلابيين. فأُجهض بذلك الانقلاب. في معظم أرجاء البلاد، و في أهم المدن الصناعية، تمت تصفية العسكريين. و في الجزء حيث يسيطر الانقلابيون، شُنت حملة قمع وحشي مصحوبة بإعدامات جماعية للمعارضين. انطلقت بالتالي الحرب الأهلية...و الثورة كذلك.
ثورة أصيلة
ما بين الجيش المتمرد و الشعب المسلح المطالب بتغيير اجتماعي راديكالي، بدأت السلطة الرسمية للجمهورية البرجوازي في التلاشي: فقد ظلت المؤسسات قائمة لكن بدأت تُفرغ من مضمونها. بدأت تظهر عوضها سلطة جديدة: سلطة العمال و الفلاحين. ففي كل مكان حيث قام الشعب بدحر العسكريين، كانت تتشكل لجان بشكل شبه تلقائي و بدأت تسير الحياة و التنظيم الاجتماعي لبقية المجتمع. تكلفت هذه اللجان، بشكل فوري، بتسليح العمال و بتشكيل الميليشيات التي ستهب لمواجهة فيالق فرانكو و الجنرالات المتمردين الآخرين. لا وجود للترسيمات العسكرية في المليشيات، كان الضباط في الغالب قد تم انتخابهم من طرف رجال الميليشيات، كما أن العمليات العسكرية كانت موضوع شرح و نقاش من طرف رجال ونساء الميليشيات. احتلت النساء كذلك مناصب مهمة، قامت هته اللجان كذلك بتنظيم الرقابة على المقاولات حيث كان العمال أنفسهم يشرفون على سير الإنتاج (في كاطالونيا، ستخضع 70% من المقاولات إلى التسيير الذاتي)، كما قامت اللجان باسترجاع الخدمات العمومية و بالإشراف على العدالة...تم اتخاذ أيضا إجراءات مساواة راديكالية ضد البطالة و البؤس حيث تم، في برشلونة، تشغيل كل المتسولين في المنظمات النقابية، و أقيمت تعاونيات في كل مكان. في البوادي قامت اللجان المحلية بإصلاح زراعي حقيقي. لقد تم تغيير الحياة اليومية نفسها بحيث أصبحت رياح الحرية الرائعة تهب في المناطق "الجمهورية". خيضت أيضا تجارب اجتماعية فريدة، ففيما يخص القضية النسائية، كانت النساء الفوضويات، بشكل خاص، وراء بعض المبادرات في بلد متخلف سابقا بدأ يمشي بخطوات كبيرة.
باختصار، دخلت ركائز النظام الاقتصادي و الاجتماعي الرأسمالي طور التفكك مسجلة بذلك بداية ثورة اشتراكية أصيلة [7]. كانت هته اللجان، الجد ديمقراطية، مشكلة أساسا من النقابيين الاشتراكيين (الجد راديكاليين في تلك الفترة)، من الفوضويين، من الشيوعيين المعاديين للستالينية في حزب العمال للتوحيد الماركسي POUM و من عمال غير محزبين. جمعوا بين أيديهم في نفس الوقت السلطات الاقتصادية و الاجتماعية و العسكرية.
خلال أشهر يوليوز – غشت – شتنبر 1936، بدأت وضعية ازدواجية السلطة في النشوء من خلال السلطة المهتزة و المضعفة للبرجوازية و مؤسساتها الدولتية من جهة، و من جهة أخرى، السلطة الناشئة و القوية للطبقات المستغَلة. كان مخرج الوضع مصيريا: فلا يمكن لهتين السلطتين أن تتعايشا جنبا إلى جنب للأبد.
كانت السلطة الأولى تعبيرا عن نظام استبدادي، الرأسمالية، و كانت الثانية التعبير عن مجتمع جديد قيد النشوء، محرر من كل استغلال. كان محتما على إحداهما أن تزول. و من بين المميزات الأساسية لازدواجية السلطة هته هو اللاتكافؤ بين القوى الاجتماعية و القوى السياسية في كل من السلطتين حيث كانت السلطة الثورية الناشئة تتمتع بقوة اجتماعية و عسكرية هائلة مستندة على الجماهير في حين أن السلطة البرجوازية "الرسمية"، التي تفتقد لأية قاعدة اجتماعية شعبية و التي جُردت من جزء هام من قوى القمع (اصطف الجيش و الشرطة، بشكل واسع، إلى جانب الفاشيين)، كانت بالمقابل أقوى من الناحية السياسية، كانت قوتها السياسية تكمن في أنها كانت تقدر جيدا وضعها الكارثي مما جعلها تتهيء لتجاوزه.
و قد بدأت، بذكاء، في استعادة ما فقدته، ساعدها في ذلك الثوريون، و خصوصا الفوضويون، الذين لم يدركوا جيدا أبعاد ازدواجية السلطة و ضرورة إزاحة الدولة البرجوازية. في شهري يوليوز – غشت، كان بإمكان الثوريون، إذا ما أرادوا، المدعمين من طرف الجماهير، كان بإمكانهم قلب السلطة السياسية للبرجوازية بدون صعوبة.
ليس فقط لم يقوموا بذلك، بل سمحوا لهته السلطة أن تصمد بمشاركتهم فيها (على الصعيد الوطني كان هناك مثلا 3 وزراء...فوضويين). وفي الأخير كانت هته السلطة ذاتها هي مَن وضع حدا لازدواجية السلطة بتجريد اللجان القاعدية من مهامها شيئا فشيئا، إلى أن أزالتها نهائيا. ففي كاطالونيا مثلا، حيث كانت الثورة أكثر تقدما، شارك الثوريون في الحكومة الرسمية، التي كانت أغلبيتها مشكلة أساسا من الوزراء الاشتراكيين، من الشيوعيين الستالينيين و من الجمهوريين البرجوازيين حيث بدأت بتفكيك المكتسبات الاجتماعية و بإصدار مراسيم و قوانين لإعادة حق الملكية الخاصة، و بالأخص ملكية الأراضي مما كان يعيق أي إصلاح زراعي، كما تمت إعادة بعض المعامل إلى مالكيها...إلخ.
حرب أم ثورة؟ نهاية مسلسل ثوري
هكذا، في كاطالونيا يوم 26 شتنبر، دخل حزب العمال للتوحيد الماركسي POUM و الكنفدرالية الوطنية للعمال CNT الحكومة الكاطالانية (الخينراليطا Généralitat). فتم حل اللجنة المركزية للميليشيات في الأول من أكتوبر...فأنجزت بذلك الثورة المضادة و بهدوء. لكن الثورة المضادة النهائية تمت في ماي 1937 و هذه المرة بشكل دموي. أُثير نقاش استراتيجي هام داخل قوى اليسار: فهناك من جهة من يقول بوجوب قيام ثورة اجتماعية كشرط أساسي للانتصار ضد الفاشية ( POUM و CNT) و من يريد تأجيل الثورة لاحقا بعد الحرب ضد الفاشية ( الحزب الاشتراكي و الحزب "الشيوعي"). كان الأوائل يريدون قلب النظام البرجوازي و في نفس الوقت النضال ضد الفاشية، أما الثانيين فكانوا يطالبون بوقف كل انفجار اجتماعي و يدعون إلى الوحدة مع البرجوازية ضد الفاشيين و ب "كل شيء من أجل الحرب". كان خيار البرجوازيين و الستالينيين هو الذي فُرض ...بالقوة. فكانت نتيجة هذا الخيار الهزيمة العسكرية و اندحار كل أمل ثوري. لأن الحرب ضد الفاشية لم تكن فقط حربا عسكرية بل، و بالخصوص، حربا سياسية و إيديوليجية.
كان يجب أن تُخاض الحرب العسكرية في نفس الجبهة مع الانفجارات الاجتماعية و الاقتصادية التي كانت وحدها القادرة على تمكين الجماهير من استيعاب عن ماذا يكافحون. و إلا ما الذي سيدفع فلاح للقتال حتى الموت إذا كان سيُستغَل في نهاية الأمر من طرف مالك الأرض "الديمقراطي" عوضا من الفاشي. و ما الذي سيدفع العامل إلى الدفاع، والسلاح بيده، عن الفوارق الاجتماعية، التي يعيشها في ظل الرأسمالية، ضد الفاشية؟ لماذا إذن و الجماهير كانت مسلحة و كانت الثورة أمرا ملموسا و قابلا للإنجاز؟...مقابل ذلك، أثبتت أساليب الحرب الثورية نجاعتها في عدة معارك ضد الفاشيين.
عن سياسية عدم التدخل و السياسة الستالينية
منذ بداية الحرب الأهلية، اتجه المعسكران نحو الخارج. لكن إذا كانت قوات فرانكو قد لاقت سريعا إمدادات من الأسلحة و حتى الجنود من طرف الدكتاتوريات الفاشية (ألمانيا، إيطاليا، البرتغال). في المقابل لم يلاق الجمهوريون عمليا أي دعم، سياسي كان أم عسكري، من قبل "الديمقراطيات" الغربية. ففي شتنبر، وقّع 25 بلدا أوروبيا معاهدة عدم التدخل و التزموا بعدم مساعدة أيا من الطرفين. في الواقع كانت البرجوازيات الغربية تتخوف أكثر من أية ثورة اشتراكية أخرى ظافرة باسبانيا. ستكون لمثل هته الثورة تداعيات فورية في البلدان المجاورة وخصوصا فرنسا التي كانت تهزها أكبر الإضرابات و المظاهرات في تاريخها، و كذلك إنجلترا. استحق فعلا بذلك الحفاظ على النظام البرجوازي جثة الجمهورية الاسبانية الديمقراطية...لم يكن توقيع الدكتاتوريات الفاشية للمعاهدة ،هي الأخرى، ليمنعها، طبعا، من مساعدة إخوانها. بَلدان فقط من قدما الدعم إلى إسبانية المعادية للفاشية: المكسيك، بإمكانياته المتوسطة، لكن بشكل مبدئي و سخي و كذلك الإتحاد السوفياتي. لكن مساعدة هذا الأخير لم تكن لا سخية...و لا مجانية: فقد كانت لأولى إمدادات السلاح (الذي لم يصل حتى أكتوبر 1936 !) كمقابل إجمالي احتياطات الذهب في البنك الاسباني ! وكانت هذه المساعدة مشروطة بأن تضع الحكومة حدا لكل توجه ثوري. ستالين هو الأخير لم يكن يريد قيام ثورة في إسبانيا. فقد كتب ل لارغو كاباليرو Largo Caballéro، رئيس الحكومة المركزية: "يجب حماية المِلكية" ! بخوفه من تنامي القوة الألمانية النازية على مشارف بلاده، كان يسعى لكسب "صداقة" البرجوازيات "الديمقراطية" الغربية. لا مجال إذن لإزعاجهم بثورة ! و بالتالي كان يجب خنق الثورة الإسبانية و الدفاع عن الجمهورية "الديمقراطية". كانت أحسن أداة للسياسة الستالينية هي الحزب الشيوعي المحلي. الذي بدأ يتقوى و يكسب الشعبية، بعد أن كان جد ضعيف في بدايات الحرب، و ذلك مع تواصل و صول المساعدة السوفياتية التي أكسبته الهيبة و القوة العسكرية. ذلك لأن الأسلحة الروسية كانت موجهة خصيصا لأنصار السياسة الستالينية في إسبانيا. لعب كذلك الحزب الشيوعي أحسن دور مدافع عن النظام الرأسمالي مما أتاح له الوصول إلى سدة السلطة البرجوازية حيث سينهج سياسة قمعية وحشية ضد القوى الثورية.
أيام ماي 1937: الثورة المخنوقة
كانت الفترة الممتدة ما بين أكتوبر 36 إلى غاية ماي 37 بمثابة نهاية المسلسل الثوري الذي ابتدأ في يوليوز 1936. ففي أكتوبر 36، شكل الجمهوريون جيشا نظاميا سوف يتعايش لفترة من الزمن مع الميليشيات العمالية و الفلاحية للأحزاب الثورية ( POUM و CNT)، وفي دجنبر 36، تم طرد حزب العمال للتوحيد الماركسي POUM من حكومة كاطالونيا تحت ضغط الستالينيين. و في ماي 37 ستكون سلطة الستاليتيين على الجيش الجمهوري و على الشرطة (الحديثة التشكيل) شبه مطلقة. فلم يبق لهم، من أجل تثبيت هيمنتهم، سوى تصفية المعارضين، أي حزب العمال للتوحيد الماركسي POUM و الكنفدرالية الوطنية للعمال CNT (التي كانت شبيبتاهما قد توحدتا في مطلع 1937). لأجل ذلك، تم تنظيم عملية استفزاز، في 3 ماي، ببرشلونة حيث قام رجال شرطة تحت قيادة أحد الستالينيين بالاستيلاء على المركز الهاتفي للمدينة الذي كان عمال فوضويون قد احتلوه منذ يوليوز 36. فور ذلك، سينتفض عمال المدينة، مما أدى إلى اندلاع المعارك في الشارع بين الميليشيات الفوضوية و ثوريي حزب العمال للتوحيد الماركسي POUM....